أفعال النبي -صلى الله عليه
وسلم- أنواع اقتصر المصنف -رحمه الله- منها على نوعين، فقال:
وكذلك إذا فعل شيئا على وجه العبادة، ولم يَأمر به
فالصحيح أنه للاستحباب.
هذا نوع من أفعال النبي -صلى الله عليه
وسلم- وهو فعله على وجه الطاعة والقربة كأنْ يخص زمانا بعبادة أو يخص مكانا
بعبادة، يعني كأن يصلي تطوعا أو يتصدق.
هذا النوع من الأفعال التي يفعلها النبي
-صلى الله عليه وسلم- بمحض التعبد والتقرب لله تعالى موضع خلاف بين أهل
العلم، ولكن المصنف -رحمه الله- جرى على القول الراجح، وهو أن ما فعله
النبي -صلى الله عليه وسلم- على وجه التعبد والقربة أنه مستحب لنا، يعني
يستحب لنا أن نفعل مثل ما فعل -صلى الله عليه وسلم-.
ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه
الله-: إذا خص النبي -صلى الله عليه وسلم- زمانا أو مكانا بعبادة كان تخصيص
ذلك سنة، لو فرضنا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- مثلا صلى ركعتين في وقت
من الأوقات تطوعا، وليس فيها قول من الأقوال، فإنه يستحب لنا أن نتأسى
بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك.
ومن الأمثلة: ما ورد في صحيح مسلم
أن عائشة -رضي الله عنها- سئلت بأي شيء كان يبدأ النبي -صلى الله عليه
وسلم- إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك، فالسواك عند دخول البيت ليس فيه إلا
الفعل المجرد.
المراد -يا إخوان- بالفعل المجرد: الذي لم
يرد فيه قول، فالعلماء يقولون: السواك عند دخول البيت مستحب؛ لأن الظاهر أن
الرسول -صلى الله عليه وسلم- فعله على وجه القربة والطاعة.
النوع الثاني من الأفعال النبوية التي
ذكرها المصنف قال:
وإن فعله على وجه العادة دل على الإباحة.
ما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- على
وجه العادة، والأصوليون يسمونها الأفعال الجِبلّيّة التي مرجعها إلى الجبلة
وهي الخلقة، كالقيام والقعود والأكل والشرب والدخول والخروج والركوب
والنزول، هذه الأفعال حكمها الإباحة يعني لا يتعلق بها أمر ولا يتعلق بها
نهي إلا في حالة واحدة: وهي أن يكون الفعل له صفة، فهنا يأتي التأسي.
كأن يكون الرسول -صلى الله عليه وسلم- له
صفة في أكله أو صفة في شربه أو صفة في نومه، أو صفة في ركوبه، يأتي التأسي
هنا.
أما الأفعال هذه في حد ذاتها فإن النبي
-صلى الله عليه وسلم- لم يفعلها بمقتضى التشريع؛ لأن كل ذي روح لا يخلوا
عنها، من الأكل والشرب والنوم وغير ذلك.
هذه الأفعال التي يفعلها الرسول -صلى الله
عليه وسلم- على وجه العادة، وهناك أنواع من الأفعال النبوية.
وثالثها: مر علينا في الليلة
الماضية، وهو ما يفعله الرسول -صلى الله عليه وسلم- مختصا به، فهذا ليس
لأحد من الأئمة أن يتأسى به فيه.
ولكن القاعدة كما علمتم: أنه لا يحكم على
الفعل بالخصوصية إلا بالدليل؛ لأن الله -جل وعلا- يقول:
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: هذه الآية أصل في
التأسي بأقوال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله.
فيه أنواع من الأفعال، لكن بما أن المصنف
لم يتعرض لها نتركها.